CATS


القطط


خَلَق الله الكائنات الحَية لِيجعلها مَمالكاً مُختلفه مليئة بِالتنوع في السّمات والصّفات الجَسدية الشّكلية و الحَيوية . ولَطالما كانت مَمالك الحَيوان مِن أهم الأمور التي كان حُضُورها بارزاً ومؤثراً في الحضارات البَشرية القديمة وعالمنا الحديث اليوم . فقد اعتمدت الانسانية مُنذ بدايتها على الحَيوانات كَمصدر لِلغذاء حتى بدأت المُجتمعات المَدنية الاولى والزراعة بِالظهور و التي دجّنت الحيوان لِيلعب دوراً جديداً في مُساعدة المُزارعين في الحَرَث والتّنقل والحِراسة وانتَاج الطّعام من الالبان والبيض وغَيرها حتى قام الانسان بِتربيتها في منزله . و لم يَقتصر دور الحيوان في الثقافه البَشرية على دور المُساعد فقط ! فقد قدّست الحضارات القديمة بعض الحَيوانات عن غيرها ورفعت مِن حُرمتها فكانت جزءاً لا يتجزأ من العِباده او المَلبس وأيضاً جزء كبير مِن ثقافة حضارة كامله . فالحيونات بِحسب مكانِها كانت ترمز لأمر معين على سُكان المنطقه ، كالأفاعي في بلاد الرافدين والشام التي ترمز لِلتجدد وتكرار الحياه ، و الفيل أو البقر في الهند الذين يرمُزان لِلعطاء والحكمة أو القوة . و رُبما من أشهر الحَيوانات التي قُدِّست قديماً وظهر عنها العديد مِن المُعتقدات هي القِطط تلك الكائنات اللّطيفة والمُخيفة في الوقت ذاته ، والتي رَفع الفراعنه منزلتها لِلألوهية.

القطط :

القِطط هي أَحَد الحيوانات الثّدية التي إستأنَسَها الانسان منذ أكثر مِن سبع الآف عام ولها العديد مِن السُّلالات المُتنوعه , كما أن عُمرها لا يزيد عن العشرين عاماً بِحسب الإحصائيات . امتَازت القِطط بِشكلها الجَميل ورشَاقة حرَكَاتها ومَهاراتِها في الصّيد , فكان الفراعنة يَستعينون بِها في القَضاء على الفِئران والحَشرات في الحِقول . و القِطط لم تَكن مُجرد حيوانات مُستأنسه ولطيفه وصيّاده ماهِرة فقط في بَعض المُعتقدات ! , فَقد نَشأ عنها العَديد مِن الاساطير والقِصص المُخيفة و الغريبه التي آمن بِها الكثير والتي أدت الى قَتلها في بَعض الاحيان . فَفي القرون الوسطى خِلال فترة مَحاكم التفتيش ومُطاردة السَحَرَه نشَأ مٌعتقد يَربط بين القِطط والشّيطان واعتِبارِها كَتجسيدٍ له أو خَادم لِلسَحَرَة بِالتحديد السّوداء مِنها , مِما أدى الى جَعلها من أكثر الحَيوانات كُرهاً في أوروبا وقتَها والبدء في مُطاردتها وقَتَلها وقَتل كل مَن يملك قطاً أسوداً . ومِن هذا المُنطلق نَشَأ احتفال في بلجيكا يُدعى ب"kattenstoet" الذي كانت تُقام فيه طقوس لِقتل القِطط . وبِسبب تَناقص أعدادها في أوروبا نتيجة القتل الجائر زَادَت أعَداد الفِئران مِما أدّى وقتَها الى إنتِشار مرض الطّاعون الاسود الذي قَتَل ثُلث سُكان القارّة الاوروبية .

ولم تَكن أوروبا وحدَها مَن آمن بِشَيطَنة القِطط ، فَبالرّغم من وداعَة هذا الكائن اللّطيف الا أنك سَتجد في الكثير مِن المناطق المُختلفة من يتَشَاءم به أو يؤمن بِأن القط الأسود تَجسِيد لِلجن أو بِإمكانه رُؤية الأشبَاح . و أحَد المُعتقدات تَعتبر القط حَلَقة وصل بين عالم الأموات والبشر فَيمكِنهُ رُؤيَتهُم أو قد تَسكُنها أرواحهُم بعد الموت . أما في عالم الأحلام فَوجُود القِطط له العديد مِن التّفاسير المُختلفة , فَيُمكن تَفسيره على أنه عدو أو شرٌ قادم أو مال تمّ تبذيرة أو لِص أو امرأة مُخادعة , فَبِحسب السياق الذي وُجدت فيه القطه داخل حُلمك يَكون هناك تَفسير مُختلف . وبِشكل عام القطط ومنذ أزمنه سحيقه آمنت البشريه بِأنهم على علاقه شديدة بِالسحر والشّعوذه وعَوَالم الماورائِيات والقُدرات الخَارِقة ، وبِنفس الوقت هُناك مَن آمن بِجمالِيّاتِها و اتخَذَهَا رمزاً لِلحب والقوة و التّسلط والحظ الجيد والخير الوفير أو الخصوبة و الحِماية . فَفي بلاد الصّين آمن الفلّاحين بِالاله "لي شو- le shou" الذي كان الهاً لِلخصوبة بِهيئة قِط , فَقدّموا له القَرابين في نِهاية مواسم الحَصاد لِمُباركة مَحاصيلهم وكَشُكر لِحمايتِها من الفساد والاكل مِن قِبل الحَشَرات والفِئران . أما في الميثولوجيا السّلافيّة يوجد مَخلوق يُسمى بِ"الاوفنينك - ovinnik" الذي كان قط لكن بِأعيٌن مُشتعله , فَعبدهُ المُزارعين كَروح لِلإسطبل , فَعند رؤيته يَجب تُقديم الطّعام له وسَيقوم بَعدها بِحماية الاسطبل و المَحاصيل , أما في حال تَجاهله أو نِسيانه فَتَتحوّل روحه لِلخُبث وسَيُدمر المَحاصيل والبيوت بِحرقها جَميعاً . وعِند اليابانيين يُوجد ما يُسمّى بِ"قط الحظ - مانيكي نيكو - 招き猫" الذي يَرمز لِلحظ الجيد والثروة بِرفع اليد اليُمنى والسّعادة والبَنين بِرفع اليد اليُسرى , لِذلك سَتجدون العديد من تَماثيله تَملأ المتاجر والمطاعِم اليابانية تَفاؤلاً بِجلبه لِلخير والازدِهار , كَما يُقام له مهرجان سَنوي لِلاحتفال بِه في اليابان. وفي الفلكلور الفرنسي فَإن مواء القطة البَيضاء يُبشر بِاقتراب الزواج . أما عند العرب وُجِد مُعتقد يَنسُب قُدُرات عِلاجيّة وحِماية لِلحم القِط الأسود من السِحر وبعض الامراض , والتّبخر بِعنيه بعد تجفيفها يُحقق الأماني !. وأخر يقول أن القط الاسود من الجن و الأبيض ملاك , كَما آمنت العرب بِوجود لُغة خاصة لِلقطط كَلغة البَشر ويُمكن لِلمرء تَعلّمها أو فِهمها ! . وقد نَجِد في الموروث العربي الشّعبي الكثير والكثير مِن القِصص والطرائف والأمثلة التي يتم يَتداولها عن القِطط بِصفات كَفرط الحُب كَقول"كَهرة تأكل أولادها" و"أبرّ من هِرة" أو الخِيانة و الغدر كَقول "مثل القِطط تاكل وتنكر"، فَفي الثقافة العربية بِشكلٍ عام القِط يُعتبر من الحيوانات النّظيفه والمُحببة والموصى بِالعنايه بها في الاسلام ، حتى وصلَ الأمر لِلتشديد في بعض الأحيان . و في بِلاد الهِند والعديد مِن الثقافات القِطط تُعتبر رمزاً لِلأمومة ذلك لِاتّصافها بِالحماية المُفرطة لِإطفالها واتخاذ التّدَابير اللّازمة لِحمايتهُم حتى لو عَنى ذلك قَتلهم. 

في مصر القديمة ألّه الفراعنه القِط ورَفَعوا من مكانته فَقدّسوه و شيدوا له المَعابِد و قدّموا له الطعام حباً وخوفاً من غضبها ، فَكان ذكرها يُثير الفزع في نُفوسهم لِذلك ارتَدوا التّمائِم التي تَحميهم من غَضَبِها بعد الموت. فَأحد أشهَر الهِة الفراعنه يَتجسّد بِجسد أُنثوي ورأس قطة فَسُميّت بِالاله "باستت" التي كانت الهة القوة ورمزاً لِلحب والمُتعة عِندهم , وتَمّت عِبادتها أولا في بلدة "تل بَسطة" التي كانت عاصمة الدولة في عَهد الأسرة الثانية والعشرين وقتها فَانتشَرت عِبادتها في مُختلف المَناطق بعد ذلك , ورُبما تُلاحِظون وجود العديد مِن رسوم هذه الآلهة تُزين آثارَهم وذلك بِسبب حُب الفراعنه لِلقطط وتَقديسُهم لِ"باستت". كَما وُجِدت في آثارِهم العديد مِن المَقابر المَلكية و التي تَحوي مومياوات لِقطط تَجاوز عَددها ال80 الف.  

هل لِلقط سَبع أرواح ؟

في أحيانٍ كثيرة نقول أو نسمع جُملة تَتردد كثيراً كَ"مثل القط بِسبع أو تسع أرواح" والتي نقصِد فيها قُدرة نَجاة المرء مِن الحوادث المُميته بِسهولة وبِاعجوبة أحياناً , لكن من أين أتت هذه الفكرة ؟ لماذا نَنسب تَعدد الأرواح لِلقط ؟ هل حقاً لِلقط عِدة أرواح ؟ لِنبدأ بإجابة السؤال الاول : قَديماً ومثلما قرأنا في مُنتصف المَقالة فَقد شَاعَ في الحَضارات والمُجتمعات مُعتقدات تَتدعِي أن لِلقط القُدرات العَجيبة والخارِقة مِثل الفراعنه، الذين آمنوا بِاتّصاف القِطط بِصفات خاصة تُميزهم عن غيرهم من الكائنات، بالاضافة الى قدرة القط بالنجاة بِاعجوبة مِن المَخاطر والسقطات المُميته . فَالقط كائن يَمتاز جَسده بِالرّشاقة و الخِفة الجَميلة وعضَلات تَمتص الصدمة و التي تُساعده على النّجاة دائماً. وأيضاً يُمكن القول بأن طبيعة حَيَاتِه المَحفوفة بِالمخاطِر تُحتم عليه النّجاة بِأي طريقة مُمكنه , وبِهذا نَكون حصلنا على إجابة لِلسؤال الثاني . أما بِالنسبة لِإجابة الثالث فَإن عدَد أرواح القِط في هذا المَثل يَختلِف بِحسب اختلاف الثّقافة . فَمثلاً في بِلاد الصّين وعِند الاغريق والانجليز يُقال بِ"أن لِلقط تسع أرواح" والرّقم تسعة كمَا يُشاع فَهو رقم لِلحظ الجّيد هُناك . وفي مِصر القديمة اعتقدوا بِأن الاله "اتوم رع" اله الشّمس نزل لِلبشر بِهيئة قط وكان له ثمانية ابناء مِن الآلهة وبِجمعِها مع روح والدِهم أتى هذا المُعتقد . أيضاً الرّقم 9 يُعتبر أحد أبرز الارقام المُقدسه في العدِيد من الدّيانات حول العالم كالرّقم سبعة عند العرب وأسبانيا .


- هذي التدوينة تم كِتابتها من البداية لِصالح مجلة "جيل الفتيات" التّطوعيّه والتي كانت فًكرة المجله ان تكون لعدد واحد فقط، عمل عليها العديد من الفتيات لِكتابة مواضيع متنوعة ومُمتعه ، اطّلعوا على المجلة من هنا 💓

by\Galiah

المصادر :
- إبادة القطط
- كتاب : القط في المعتقد الشعبي
القطط : رصيف
9 lives

تعليقات

إرسال تعليق