الساحرات
السحر والشعوذة من الأمور التي لازم الايمان بها الانسان عبر التاريخ , فلِكل بلد وشعب تصوره الخاص للسحر وماهيته وطقوسه وثقافته حتى وجد السحار والساحرات بمختلف علمهم وقوتهم في هذا المجال . ولنعرّف السحر فهو: توظيف قدرات خارجه عن الحواس الخمس للإنسان للقيام بأمور تتجاوز القوانين الفيزيائية وذلك بالاستعانة بمخلوقات من عالم الماورائيات كالجن والعفاريت .
وكما قلت ان الاعتقاد بالسحر كان ملازم للإنسان عبر التاريخ ومنتشر بشكل كبير في القرون الوسطى الأوروبية ولايزال الاعتقاد فيه مستمراً الى اليوم لكن بشكل اقل في الدول المتقدمة وبشكل اكبر في الدول الفقيرة .
الساحرات :
الساحرات :
حينما نتحدث عن الساحرات و السحره بشكل عام فإننا نتخيل من تطير بمكنستها المقشيه او من تقوم بإلقاء لعناتها على العامة , او من تؤذي الاخرين بدمى الفودو , او تلك التي تقوم بأعمال خارقة كالطيران والاختفاء وغيرها من الأمور .
قديماً كانوا يؤمنون بالعديد من الخرافات حول الساحرات , فكان الاعتقاد ان من يلازم السحر هم النساء فقط , وتختلف الساحرات من الساحرة الطيبة الى الشريرة إضافة الى انواع السحر وقوته فهناك السحر الأسود الشرير و يقابله السحر الأبيض الخيّر .
الساحرة الشريرة : من تقوم بإلقاء لعناتها واختطاف الصغار و اكلهم و شرب دماء ضحاياها بالإضافة الى العديد من الأمور الوحشية .اما الساحرة الطيبة : كانت تقوم بفك السحر الأسود وتُساعد المزارعين و تكافئ الاخيار والطيبين كما في القصص الخيالية , ومعاقبة الأشرار منهم إضافة الى علاج المرضى واحياء النبات وتوليد النساء .
ومن الخرافات السائدة عن الساحرات عند الشعوب القديمة انهن فاقدات للشعور , أي لا يشعرن بالألم ابداً , لذلك كان يتم اعدامهن حرقاً للتمييز ما إذا كانت ساحرة ام لا , فإذا بدأت بالصراخ فهي ليست ساحرة اما اذا لم يصدر منها أي صوت فهذا يعني انها ساحره ولا تشعر بالألم .
يتساءل البعض لماذا توجد في قصص الساحرات ان أداة التوصيل هي المكنسة المقشية ؟ لماذا لا توجد أداة توصيل أخرى ؟ القصص الشعبية القديمة تجيب ان ممارسي السحر هم فقط النساء لذلك جرت العادة على المرأة وحتى ان كانت ساحرة فهي ربة منزل بنهاية الامر , فكانت المكنسة انسب شيء لها وأيضا اكثر شيء تستخدمه في القِدم , فأصبحت الساحرات يعتبرنها أداة التوصيل الأنسب والامثل . بالإضافة الى ان القصص القديمة توضح امتلاك الساحرات لقدرات خاصة للتنقل , كالتنقل الآني من مكان الى مكان اخر وليست المكنسة هي وسيلة التنقل الوحيدة إضافة الى الجن والحيوانات الخرافية العملاقة او تحول الساحرة الى طائر بومة او غراب للتنقل .
سبت الساحرات :
احدى الخرافات التي كان يؤمن بها الأوروبيون حول الساحرات هي خرافة " سبت الساحرات" والتي تحكي عن اجتماعات تنظمها الساحرات بشكل سري كل يوم سبت من كل أسبوع في الغابات النائية . في هذه الاجتماعات تقوم الساحرات بإجراء العديد من الطقوس الخاصة وتقديم القرابين للشيطان ليمنحهم المزيد من القوة وذلك بحضور العديد من الجن والعفاريت للاجتماع .
ويكون هناك تعليم للمتدربات بعض الطلاسم والشعوذة وكيفية ركوب المكنسة , أيضا من ضمن الطقوس الرقص حول نار كبيرة وشرب الخمور والدماء حتى الفجر , إضافة الى تنصيب ساحرات مستجدات وممارسة الجنس مع الشياطين والجن وجميع أنواع الفجور.
هذه الخرافة جسّدها العديد من الفنانين الذين وضّحوا في لوحاتهم تجمع الساحرات حول الشيطان الذي يشبه الماعز ليأخذوا منه علوم السحر والشعوذة .
ساحرات من عالم الميثولوجيا :
مورغاين لو فاي :
الساحرة مورغاين هي شخصية من عالم الاساطير بالتحديد من الأسطورة الإنجليزية "الملك آرثر" , تحكي الأسطورة عن ان الساحرة مورغاين هي الأخت الغير شقيقة للملك آرثر والذي بعد تقلده للحكم قام بنفي اخته ووالدتها الى جزيرة معزولة وعاملهم بشكل سيء للغاية , وفي تلك الجزيرة شهدت مورغاين الشابة معاناة والدتها وصراعها مع المرض حتى الموت , ذلك جعلها حزينة ومليئة بالحقد والغل ضد الملك آرثر , ثم اقسمت على ان تكون لعنة على حياته وتنتقم منه . في تلك الجزيرة تعلمت مورغاين السحر والشعوذة حتى برعت فيه , ثم حكمت الجزيرة الأسطورية "افالون" والتي اعتبرت لاحقاً جزيرة للموتى وينقل اليها جثمان الموتى . سعت مورغاين الى نصب العديد من المكائد للملك وعادته اشد عداوة حتى انتصرت عليه أخيراً وقامت بقتله في معركته الأخيرة , ثم قامت بأخذ جثته معها الى تلك الجزيرة . وهنا تنتهي القصة ولا يعرف مصير الساحرة مورغاين ولا ماذا حدث لها بعد حصولها على انتقامها .
توضح الروايات ان الساحرة مورغاين كانت قوية جداً وتمتلك العديد من القدرات الخارقة كالتشكل بأكثر من شكل وتغيير ملامحها , إضافة الى تحكمها بعدد من الجن وبعض المخلوقات السحرية العجيبة . ولا ننسى مهاراتها في الطب ومعرفتها بأنواع السحر وقوتها الكبيرة حتى اعتبرت من اقوى الساحرات .
كساندرا :
شخصية الساحرة كساندرا ظهرت وبرزت في قصة "حصان طروادة" والتي تنبأت بهلاك وخسارة طروادة لكن لم يصدقها احد واعتبروها مجنونة .
امتلكت كساندرا قدرة التنبؤ بالمستقبل بعد حادثه لها مع الاله "ابولو" كما في الاساطير اليونانية . القصة تقول انه في يوم من الأيام كان الاله ابولو يمشي في الغابة ثم توجه نحو بحيرة فرأى كساندرا كانت تستحم هناك وقد اعجب بحسنها وجمالها , لذلك قدم نحوها وطلب يدها للزواج وبالمقابل سيعطيها قدرة لم يمتلكها احد قبلها وهي رؤية المستقبل .
رفضت كساندرا عرض ابولو وكرهت وجهه , لذلك غضب ابولو منها وقال بأنه سيلعنها ويعطيها قدرة التنبؤ بالأمور السيئة وحتى انها سترى مصيرها , وكعقوبة لها لن يجعل أحدا يصدقها وستعتبر مجنونة .
وبالفعل هذا ما حدث كانت كساندرا تصرخ وتعدد أسماء اشخاص وتقول انهم سوف يموتون وطروادة سوف تدمر وتهلك مما جعل والدها "ملك طروادة" يقوم بحبسها بتهمة الجنون , لكن بعد فترة تحققت نبوءات كساندرا ودمرت طروادة التي لا تهزم شر هزيمة .
الاخوات غراي آي :
الاخوات غراي أي , هن ساحرات من الاساطير اليونانية أيضاً , وتحكي الأسطورة عن ثلاث شقيقات واسمائهن (دينو التي تعني الفزع - ويبفريدو والتي تعني العاصفة - اينوه وتعني الرعب) . المميز انهن كن يملكن المعرفة ومعرفة كل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل وذلك لأنهن كن يملكن عيناً غريبه يحملنها معهن أينما ذهبوا .
اختلف وصف شكل الاخوات في القصص القديمة , فهناك روايات تصفهن بالجمال الاخاذ , وهناك روايات تقول بانهن قبيحات للغاية . لكن جميع الروايات اتفقت على انهن معصوبات الأعين بشعور رمادية ويملكن العلم والمعرفة في التنبؤ بكل شيء , وبحسب الاساطير انهن يعشن في جزيرة معزولة عن العالم , إضافة الى الفضل الكبير الذي يعود عليهم في الانتصار على "ميدوسا" احد الشخصيات الشريرة في الميثولوجيا اليونانية .
سيرس :
اسطورة الساحرة سيرس من الميثولوجيا اليونانية وتحكي عن ساحرة فائقة الجمال وفي نفس الوقت ملكة لجزيرة "آيا" الأسطورية , كانت تعيش سيرس في قصرها مع مجموعة من الاناث الخادمات ويحيط بقصرها العديد من الذئاب والأسود و الدببة المنصاعين لها بشكل عجيب وغريب .
تقول القصة حول كيفية امتلاك سيرس لقدراتها السحرية , انها تناولت نبته سحرية جعلتها تمتلك قدرات خارقة وعلى علم بفنون السحر والتحويل . فأصبحت سيرس تحول وتمسخ البحارة الذين رست سفنهم على جزيرتها الى ذئاب و اسود ودببة . الساحرة سيرس ساحرة قوية وعلى معرفة بجميع أنواع النباتات و الفطريات والقدرة على التحويل والاستحضار للأرواح الشريرة . فكانت لسيرس حيل كثيرة لتحويل البحارة الى حيوانات و خداعهم , احدها انها كانت تدّعي الطيبة والكرم , فتقوم بدعوة البحارة الى قصرها الفخم وتقدم لم أنواع الطعام والشراب الممزوج ببعض الأعشاب السحرية التي تمسخ البشر الى حيوانات وتجعلهم تحت سيطرتها .
احد ابرز الاحداث الأسطورية ان الملك "اوديسيوس" (صاحب فكرة حصان طروادة) قد مر بجزيرة "آيا" التي كانت سيرس تحكمها ووقع هو ورجاله ضحية خداع سيرس لهم ومسختهم الى خنازير , ثم قامت بإعادة اوديسيوس الى شكله البشري باستخدام عشبة سحرية , والذي اتجه هو الاخر الى محاولة اقناعها بإعادة رجاله الى اشكالهم الاصلية وتوسل اليها لأنه كان متجهاً الى طروادة ليغزوها . وافقت سيرس على طلبه لكن بشرط ان يقوم هو ورجاله بخدمتها لمدة عام وهم خنازير , وهذا ما حدث حتى فك قيدهم بعد عام .
مطرقة الساحرات :
قضية الساحرات جعلت حكام أوروبا في خوف من لعناتهم , وجعل عامة الناس تنسب أي شيء يحدث لهم للسحر , مما أدى الى استغلال أصحاب الدين والكنيسة لهذا الامر وارتكاب ابشع الجرائم بحجة إقامة الدين .
كتاب مطرقة الساحرات : هذا الكتاب الذي قام بتأليفه احد الرهبان "هنريك كريمر" في القرن الخامس عشر في المانيا , والذي انتشر سريعاً بعد اعتماد البابا تعاليمه في أوروبا .
هذا الكتاب سمح في ارتكاب مجازر وقتل وتعذيب بحجة الدين . تنص تعاليمه وبشكل فاضح على عنصرية ضد النساء والتي يصورها على انها أداة للشرور والمفسدة والفتن على الأرض , وذلك باستناده على ان الله لم يبعث نبياً امرأة . لذلك المرأة مدنسة بطبيعتها وخلقت شيطانية , وأيضا ينص على قتل الساحرة حيث وجدت وذلك باستناده على نص صريح من الكتاب المقدس "واقتلوا الساحرة" , إضافة الى التحريض على كلاً من لا يؤمن بالسحر ويشكك به ويتم اتهامه بالزندقة ويحكم عليه بالقتل حرقاً.
يتحدث الكتاب عن الساحرات وعن اوصافهن والعلامات التي تميزهن عن بقية العامة ويأمر بقتل كل من توجد عليه هذه العلامات بحجة انه مشروع ساحره في المستقبل . هذا الكتاب مقسم الى ثلاث أجزاء رئيسية , الأول فيها يتحدث ويشرح كيف يتعاون الشيطان مع المرأة لإحداث الكوارث على الأرض من امراض و نزاعات وفتن وقتل . اما الثاني يتحدث عن طبيعة العقد الذي يُعقد بين المرأة و ابليس , ووصف لكيفية العلاقة الجنسية التي تنشأ بينهما , بالإضافة الى كيفية تعليمه الطقوس السحرية والطلاسم للساحرات والمتدربات , وأيضاً يشرح كيفية تقديم القرابين للشيطان و طقوس قتل الأطفال لإرضائه . القسم الثالث يتناول تفصيل للعقوبات والحدود التي يجب تطبيقها على الساحرات , بالإضافة الى آلية تحديد وتمييز الساحرة عن غيرها وهذه الصفات جسدية ظاهرة كالشامة في أماكن معينة , وطول الشعر او طول الفتاة . كان هناك من تقتل بتهمة الجمال وذلك لان جمالها سحر لذلك هي ساحرة .
بسبب اعتماد تعاليم كتاب مطرقة الساحرات اوجدت الحكومات الأوروبية شيئاً يسمى ب "المفتشين" وهم مجموعة من الرهبان والقساوسة يقومون بحملات تفتيشية مع بعض الجنود واستجوابات للعديد من النساء والأطفال ثم القيام بتعذيبهم بحجة انهم سحرة . حتى انهم اصبحوا يتفننون في طرق التعذيب المستخدمة على النساء والأطفال وفي الأخير يتم حرق جسد الضحية وقتلها بعد عذاب طويل وتشويه .
كان يتم إعطاء مكافأة مالية لمن يجد ساحرة او يشتبه بإمرأة مما جعل البعض يرمي التهم زوراً على نساء بريئات بغرض المال والحصول على المكافأة , هذا الحال استمر في أوروبا ل 3 قرون مستمرة رسمت تاريخ اسود للقارة الأوروبية وللكنيسة والتعاليم الدينية .
by\Galiah
تعليقات
إرسال تعليق