الحوريات , اسطورة البحار وعشق البحّارة
في هذا الموضوع سَنَحكي قِصص الحُوريات من مُختلف الثّقافات القَديمة وبَعض المَعلومات عنها .
الحوريات :
اسطُورة حُورية البَحر او عَروس البَحر عِند العَرب قَديماً تُعتبر من الاساطير المَشهورة الّتي وُجِدت في كل حَضارات الشّعوب القدِيمة , اعتَبَرها البعض رَمزاً لِلجمال الساحر و الاثارة . فَلطالما عَشق البحّارة البحر وسَعوا لِلانطلاق في رحلاتٍ طويلة و لِمسافات بَعيدة لِاكتشافه ومَعرِفة اسرِاره والحُصُول على كُنُوزه ومُشاهدة حُورياته .
حورية البحر : هي مَخلوق بِنصف عُلوي بَشري ونَصف سمكة من الأسفل . امتَازت بِالجمال السّاحر وتَعيش في البِحار بِالإضافة الى امتِلاكها القُدرة لِلتحول بِهيئة بَشر حِينما تَطأ اليابسة او حِينما تَصل لِسن البلوغ .
الاساطير القديمة اختَلَفت في مَكان وجُود الحُوريات , فَالإغريق قالوا انها تَعيش في البحر المَتوسط والبعض قاَل ان مَوطنها هي البحار بِشكل عام .
اوّل اسطورة تَحدثت عن حورية البحر كانت في عام 1200 قبل الميلاد ورُبما اكثر من ذلك من البلاد الآشورية والتي وصَفَت الحوريات بِجمالهن وانهن انصاف بشر وانصاف سمك , احادِيثهن لا تُفهم وكَثيرات اللّعب , يَعِشن اعماراً طويلة لكِن فَانيات لَيسوا بِخالدين بِالإضافة الى الشّباب الدّائم , وأيضاً اشَادوا الى انهم اقوَام كَاملة تَعِيش في البحر المتوسط . وذَكرت الأسطورة إمكانِية زواج الحورية من البشر والانجاب مِنهم.
المَعروف ان حضارات العالم القدِيمة خصوصاً القُرى المُجاورة لِلبحر و البُحيرات آمنت بِوجود الحوريات ووجِدت نُصوص قديمة عدِيدة تَصِف الحُوريات بِنفس الوصف الظّاهري (انصاف بشر وانصاف سمك) لَكن اختلفوا في غَايَاتهن و مُحاولة تَصنِيفهم من ضمن المخلوقات , أي هل هم الهه ام بَشر ام حيوانات ؟! لكن تمّ تَصنيفهم على انهن من ضمن الوحوش الأسطورية كَالتنانين و اليونيكورن وغيرها من المَخلوقات. وقد اختَلَفت أنوَاع الحُوريات فَمِنهن المُجنحة ومِنهن من تَملك حراشف السمكة , بعض الحوريات ينتمين لِلبحيرات و بَعضهن لِلمحيطات والبحار.
اليونانيين اعتَبَروا حُوريات البحر من الالهة الأقل مُستوى مِن غيرهم , واعتَبروها تَجسّد لِروح الأشياء !. لِنفتَرِض انّ الشّجرة لَها روح فَإن رُوحها تَجسّدت في هَيئة حُورية , فَإذا مَاتت الحورية فَإن الشّجرة تَموت في نفس الوقت . بِالإضافة الى اعتِقادِهم ان الحُوريات هُن بَنَات الاله "بوسديون" اله المحيطات .
و هُناك اعتِقادات مُتضَارِبة حَول طِيبة او شر الحورية فَبَعضها يقول ان الحوريات شِريرات وذلك استِنَاداً على بَعض قِصص البحارة حيث تقول احدى الرّوايات ان الحوريات يَظهرن لِلبحارة بِشكل ساحر وفتّان لِجذبهم واغوائِهم , وما ان يَقع البحّارة في شِباكِهن حتى يَظهرن على حَقيقتِهن البَشعة و بِأشكالِهن المُخيفة ويقومون بِإغراق ضَحَاياهم .
وهُناك قِصص تقول ان الحوريات طَيبات القلب لِلغاية لِمن يُبدي معروفاً لَهن , بِالإضافة الى وقُوعهن في الحب بِسهولة مع البشر وفي الغالب هذا الحُب يَنتهي بِنهاية مَأساوية , فَالحورية عندما تُحب بَشرياً فإنها لا تَستطيع ان تُحب غيره الى ان تموت .
عِند الغرب قديماً كان هُناك اعتِقاد بِوجود ال"merman" ميرمان هُم الذّكور مِن الحوريات ولَهم صِفات مُشتركة مع حوريات البحر.
امّا عِند الايطاليين كَان هُناك اعتقاد ان الحُوريات هُم الهه البَحر ومَصدَر لِلشرور والرّعب , وأيضاً اعتقدوا ان الحوريات يُسببن النّحس لِلبحّارة والسّفينة التي تُصادفهُن , فَتُسبب بِموتهم و دَمار سفينتهم في حوادث مَأساوية . هُناك اعتِقادات أُخرى تَقول ان البحّارة في حال اصطِيادهم لِحورية وحَبسها في سَفينتهم تَقَوم بِالصراخ حتى يَموت الجميع وتُدمر السفينة او ان يَترِكوها تَذهب بِسلام !. وهُناك رِواية تَقول ان حوريات البحر لا يَفهَمن ولا يُدركن ان البشر لا يُمكنهم التّنفس تَحت الماء مِثلَهن , لِذلك كانت الحوريات تقوم بِإغواء الرّجل الذي يُعجبها ثم تَأخذه مَعها الى أعماق البَحر فَيموت اختِناقاً بِسبب عدم مَعرفتها التّامة بِحدود القُدرات البشرية . اعتِقاد اخر يُبين شَر وخُبث الحُورية يَقول انّها تَستغل نِية الرّجال والبَحّارة في المساعدة فَتَقوم بِالتّمثيل كما لو انها امرأة تَغرق حتى يهمّون لِمساعدتها فَتميتهم واحداً تِلو الاخر.
العرب قديماً تَداولوا فِيما بَينهم عَجائب البِحار واسرَاره وجمَال حورياته , ومن الاعتقادات عِندهم ان حورية البَحر فَأل خَير فَهي أَينَما تَذهب الخير يَأتي معها , وأيضاً آمنوا ان الحورية مَهما عَاشت على اليَابِس فَإن روحها تَضل مُشتاقة الى البحار لِلابد .
ميلوسينا :
اسطورة ميلوسينا الأوروبية تَحكي عن قَائِد لأحَد الجُيوش قام بِالابتعاد عن جيشه لِيتمشى قليلاً في الغابة , وبَينما يَتجَول رَأى في احد البُحيرات امرأة جَميلة جِداً تُدعى ميلوسينا فَفَتنه سِحرها واقترب مِنها وقَام بِطلب الزّواج لَكِنها رَفَضته , وبَعد الحَاحٍ طَويل وافَقَت لكن بِشرط ان لا يَدخل عَليها في خَلوَاتِها اثناء الاستِحمام او في يَوم السّبت من كل أسبُوع واثنَاء ولادَتِها لأطفالِهِم . فَوَافق على الفَور واخذَها مَعه الى قَصره وعَاشا حياةً سعيدة وانجَبَت لَه ثلاث بَنات . بَعد سَنوات من زَوَاجهم بَدَأ يَسمَع شَائعات من النّاس عن زَوجته بِأنها لَيست بَشراً وانّما مَسخ غَريب , فَقَررّ في احد الأيَام ان يَختلس النّظر عليها في اثناء خِلوتها أيّام السبت وقد فَجَعه ما رأى !.
رَأى سَاقي زَوجته تَتَحوّل الى حراشف سمَكيّة اثناء سَكب الماء عليها وانها نِصف بَشريه ونِصف سَمكة وبناته كُن مثل والدتِهن فَصَرخ وسمِعته زوجته . حَزنت وغَضِبت لأنه اخلَف وعداً قَطعه لَها, فَحَاول ارضَائها بِشتى الطّرق وقام بِقطع وعد اخر لها واقسَم الاّ يُخبر أحداً . لَكنه ما لبِث الا ان يَقطعه وقام بِإخبار والدته التي قامت هي الأخرى مع ابنها بِنشر المَزيد من النّميمة حَول ميلوسينا وبَنَاتها المَمسُوخات . بَعدها قَام الزوج مع والدته بِاستدعاء ميلوسينا الى القضاء بِحجة انها كَذَبت عليه لَكنها هَرَبت واخذت بَنَاتها معها , وعادت الى البحر حَزِينة ومُستمرة في اغراء الرّجال والغِناء لَهم محاولةً منها لإيجاد مَن لا يَخلف وعداً يقطَعُه معها .
كاميرون :
تَحكي الأسطورة عن بحّار فرنسي مِن القرن السادِس عشر يُدعى كاميرون وَجَد يوماً في احد الشواطئ الصّخرية في قُبرص حورية جَميلة لِلغاية فَقَام بِأخذها مَعه واخفَاها عن الجميع . بعد فَترَه وقع كاميرون في غرام حُوريته فَتَزوجها وانجَبَ مِنها سبعة أبناء امتازوا بِالجمال السّاحر .
لكن بَعد سنواتٍ من الحُب قَرّر كاميرون ان يَقتُل الحُورية خوفاً من ان يَكتشف احدهم سِرها فَيَأخذها معه او تُنشر شائعات عنها ويَهم الرّجال والنساء لِمحاولة رُؤيتها او ان يَضفَر بِها احدٌ بعد مَوته , فَقام على الفور بِقتلها والتّخلص من جُثتها.
تاجر الاندلس :
مِن القِصص العربية ان شاباً من الاندلس عَمَل في البَحر مُنذ نعومة اظافِره , في احد الأيام رَمى شِباكه في البحر فَاصطاد حورية , فَأخَذها مَعه لِمنزله ومَكَثت سَنِين عِنده , فَأغرم بِها و تَزَوجها وانجَبَ منها ولداً جميلاً كَالقمر .
عَاش الشاب بِسعادة مع زوجته لِسنوات طويلة لكِنها كانت حَزِينة من الدّاخل وتَشتَاق لِموطنها بِشدة , خصوصاً ان الشاب بعد زواجه منها اسكَنَها مَنزلاً بَعيداً عن البَحر لأنه لم يَثِق فيها وخاف ان تَتركه في يوم من الأيام .
عِندما بَلغ الأربعين عاماً وغدا رجلاً راشداً قَرر في احد سَفراتِه في البحار ان يَأخذ زوجته وابنه مَعه لأنه وثق فيها بِأنها لَن تَتركه ابداً , لكن ما ان تَوَسطوا البحر حتى قامت الحورية بِتوديع طِفلها وتَقبيله ثم قامت بِرمي نَفسها في البحر .
صُعق الرجل واوقف السّفينة حيث رًمت زوجته نَفسها وضل ينتَحب لِثلاث أيّام بِلياليها على فُراقها له وقد وثق بِها .
بعد ثلاث أيام عادت الحورية ومعها صَدَفة ضَخمَه لِلغاية مَلِيئة بِالكنوز والمجوهرات فَقامت بِإعطائها لِزوجها ثُم ودّعته وعادت الى البحر . تَسامح الرّجل مع الامر واخذ الكنوز وعَاد الى بِلاده مُحملاً بِها واصبح احد التّجار فيها .
اوندين :
هذه الأسطورة المَانية تَحكِي عن حورية بحر في غَايةِ الجمال والسحر تُدعى "اوندين" وَقَعت في احد الأيام في غَرَام فارس من البشر يُدعى "باليمون" الذي بَادَلها الحُب هو الاخر .
قَرّر العَاشقين الزّواج وادّيا نُذر الزواج واقسَما على ان يُحبا بعض في كل نَفس ثم اقسم باليمون : ”ليكن كل نَفَسٍ آخذه في يقظتي دليلاً على إخلاصي ووفائي لهذا الحُب“.
في الرّواية الألمانية حَينما تُحب الحورية بَشرياً وتُنجِب مِنه طفلاً فإنها تَفقِد صِفة الخُلود وتُصبح مِثل البشر تماماً وتَتَأثر بِعوامل السّن فَتشِيخ وتَفقِد جَمالها مع الوقت . وهذا ما حَدث مع اوندين بعد ان انجَبَت طِفلها الأول وبدأت عَلامات كِبر السّن تَظهر عليها في المُقابل بَدأ زوجها بِاختلاس النّظر على النّساء والبحث عن الفاتنات واليَافعات مِنهن .
في احد الأيام لم يعد الزّوج الى المنزل فَبَدأت زوجته بِالبحث عنه وسَمعت شَخيره من احد الأماكن فَدَخلت لِتوقِظه وتُعيده معها الى المنزل , لَكنّها صُدمت حِينما دَخلت وَرَأته نَائماً مع امرأة أخرى . امتلأ قَلب اوندين بِالغضب والحُزن وخَيبة الامل بِتضحيتها بِخلودها وجَمالها من اجل شَخص فانٍ لَم يحترم نُذر زواجهما .
قَامت بِإيقاظ زوجها وهَمست لَعنتها عليه بِكل غضَب وقالت : ”لقد أقسمت بكل نفسٍ يقظٍ بأنك ستكون مخلصاً ووفياً لحبنا، وأنا قبلت ذلك. فليكن إذاً كذلك طالما أنك مستيقظ. ولكن في حال جئت لتنام في أي لحظة فإن نفَسك ستتركك“ , غَادرت اوندين المكان غَاضبة بَينما باليمون لَم يَقدر على النّوم قَط الى آخر يَوم في حياته .
by\Galiah
تعليقات
إرسال تعليق